في عالم كرة القدم، لا تقتصر المتعة على ما تقدمه أقدام اللاعبين على المستطيل الأخضر فحسب، بل تمتد لتشمل الحناجر التي تصف تلك اللوحة الفنية. ومن بين هذه الحناجر التي حفرت اسمها بحروف من ذهب في ذاكرة المشجع العربي، يبرز اسم المعلق الجزائري حفيظ دراجي، الذي استطاع أن يحول التعليق الرياضي من مجرد وصف للأحداث إلى قصائد حماسية وملاحم لغوية.
البدايات: من التلفزيون الجزائري إلى العالمية
ولد حفيظ دراجي في 10 أكتوبر 1964 في الجزائر العاصمة. لم يكن دخوله إلى عالم الإعلام محض صدفة، بل كان نتاج شغف ودراسة، حيث تخرج من معهد الإعلام والاتصال عام 1988.
- الانطلاقة المحلية: بدأ مسيرته المهنية في التلفزيون الجزائري الحكومي عام 1989. لم يكتفِ بالتعليق، بل تدرج في المناصب من صحفي إلى مقدم برامج، ثم رئيس تحرير، وصولاً إلى منصب نائب المدير العام للرياضة.
- سنوات التأسيس: خلال فترة عمله في الجزائر، اكتسب دراجي خبرة واسعة في إدارة الحوارات السياسية والاجتماعية والرياضية، مما صقل لغته العربية وجعله متمكناً من أدواته الإعلامية.
النقلة النوعية: رحلة “الجزيرة” و “بي إن سبورتس”
جاءت نقطة التحول الكبرى في مسيرة دراجي عام 2008، عندما انتقل إلى قناة “الجزيرة الرياضية” (التي تحولت لاحقاً إلى beIN SPORTS).
هنا، وجد دراجي المنصة العالمية التي تليق بموهبته، حيث أصبح الصوت المرافق لأكبر الأحداث الكروية:
- كأس العالم.
- نهائيات أمم أفريقيا وأوروبا.
- دوري أبطال أوروبا.
- الدوريات الكبرى (الإسباني، الإنجليزي، الإيطالي).
أسلوب دراجي: مدرسة “المشاعر الجياشة”
ما يميز حفيظ دراجي عن غيره من المعلقين هو “البصمة العاطفية” واللغوية الفريدة. يمكن تلخيص أسلوبه في النقاط التالية:
1. اللغة الشاعرية
دراجي لا يعلق بكلمات سوقية أو بسيطة، بل يستخدم لغة عربية فصحى قوية، مليئة بالسجع والمحسنات البديعية. إنه يمزج بين وصف الهجمة وبين استحضار التاريخ والأدب.
2. التفاعل العاطفي
هو معلق لا يخفي انفعالاته. صوته يرتفع وينخفض مع نبض المباراة. عندما يسجل هدف، لا يصرخ فقط، بل يطلق “آهات” تعبر عن الدهشة أو الحسرة، مما يجعل المشاهد يشعر وكأنه يجلس بجانبه في الكابينة.
3. العبارات الخالدة
اشتهر دراجي بمجموعة من العبارات التي أصبحت “ترند” في العالم العربي، ومن أشهرها:
- “أولالالا” (O la la): علامته المسجلة عند الفرص الضائعة أو الأهداف الخرافية.
- “حطها في الغووول”: عبارة يرددها بحماس شديد عند انفراد اللاعب بالمرمى.
- “يا كاتب التاريخ.. لا تغلق الصفحات”: جملة قالها في لحظات تاريخية لمنتخب الجزائر ورياض محرز، وأصبحت أيقونة في التعليق العربي.
دراجي خارج كابينة التعليق
حفيظ دراجي ليس مجرد صوت رياضي، بل هو شخصية مؤثرة (Influencer) ومثيرة للجدل أحياناً.
- النشاط السياسي والاجتماعي: يعرف عنه نشاطه الكبير على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يبدي آراءه بوضوح في القضايا العربية والجزائرية، وخاصة القضية الفلسطينية التي يدافع عنها بشراسة في كل محفل ومباراة.
- الجوائز: حاز على العديد من الجوائز كأفضل معلق رياضي في الوطن العربي في استفتاءات جماهيرية وإعلامية متعددة، تكريماً لمسيرته الطويلة.
الخاتمة
سواء اتفقت مع آرائه أو اختلفت، وسواء كنت تحب أسلوبه الحماسي أو تفضل الهدوء، لا يمكن إنكار أن حفيظ دراجي رقم صعب في معادلة الإعلام الرياضي. لقد نجح في أن يكون “مؤرخاً فورياً” للحظات الكروية، يكتب التاريخ بصوته قبل أن يجف حبر الصحف، ليظل “بابا حفيظ” كما يلقبه محبوه، واحداً من أساطير التعليق العربي المعاصر.
