في الوقت الذي تلتهم فيه النيران مساحات شاسعة من الغابات، وتزحف رمال التصحر نحو الشمال، يبرز رجل واحد من عمق جبال الأوراس، يحمل معوله في يد وفسيلة في اليد الأخرى، ليُعلن حرباً سلمية شعارها الحياة. إنه فؤاد معلى، الناشط البيئي الذي تحول إلى أيقونة وطنية بفضل مبادرته الشهيرة “خضراء بإذن الله”.

من مواطن بسيط إلى “رجل الغابة”

فؤاد معلى، ابن ولاية باتنة، ليس مجرد هاوٍ للزراعة، بل هو عاشق للأرض بامتياز. بدأت قصته كجهد فردي نابع من “غيرة” وطنية على الغطاء النباتي الذي تآكل بفعل الحرائق والإهمال البشري.

يُعرف فؤاد بين متابعيه بلقب “خضرا بإذن الله “، حيث يقضي معظم وقته في الجبال، ينقل شتلات الأرز الأطلسي، والصنوبر، والبلوط، ويسقيها بجهد بدني شاق، حاملاً دلاء الماء لمسافات طويلة في مناطق لا تصلها السيارات.

“خضراء بإذن الله”: أكثر من مجرد شعار

تحت وسم #خضراء_بإذن_الله، أطلق معلى مبادرته التي تجاوزت حدود العمل التطوعي التقليدي لتصبح “ثقافة” يروج لها عبر منصات التواصل الاجتماعي.

  • مقاومة الحرائق بالحياة: في كل مرة تشتعل فيها غابة، يكون رد فؤاد هو العودة إليها لغرسها مجدداً، مؤكداً أن الرد على الرماد يكون باللون الأخضر.
  • التمويل الذاتي: المثير للإعجاب في قصة هذا الرجل هو اعتماده الكبير على ماله الخاص لشراء الشتلات وتوفير صهاريج المياه، رافضاً أن تكون البيروقراطية عائقاً أمام حلمه.
  • حماية الأصناف النادرة: يركز فؤاد بشكل كبير على إعادة الاعتبار لشجرة الأرز الأطلسي، وهي رمز غابات الأوراس المهدد بالانقراض، مما يضيف بعداً علمياً وبيئياً دقيقاً لمبادرته.

تحديات في وجه العاصفة

لا يخلو طريق فؤاد من الأشواك؛ فبالإضافة إلى صعوبة التضاريس والجفاف الذي يضرب المنطقة، يواجه “رجل الغابة” تحديات بشرية تتمثل في الرعي الجائر وتخريب الشتلات من قبل بعض غير المسؤولين.

وفي تصريحات سابقة له، عبر فؤاد عن ألمه ليس من التعب الجسدي، بل من رؤية شجرة تعب في رعايتها لسنوات تضيع في لحظة إهمال. ومع ذلك، فإن شعاره الدائم يبقى: “نغرسوا.. وما نفشلوش” (نزرع ولا نيأس).

إلهام عابر للولايات

لم يعد تأثير فؤاد معلى محصوراً في جبال باتنة أو خنشلة فحسب، بل تحول إلى ملهم للشباب الجزائري في مختلف الولايات. بفضل توثيقه اليومي لعملياته عبر “فيسبوك” و”تيك توك”، نجح في:

  1. تحفيز مئات الشباب للخروج في حملات تشجير تطوعية.
  2. نشر الوعي بأهمية السقي الدوري وليس الغرس فقط (فالعبرة باستمرار الشجرة لا مجرد غرسها).
  3. لفت انتباه السلطات وجمعيات المجتمع المدني لضرورة التحرك الميداني الجاد.

الخاتمة:

إن ما يقوم به فؤاد معلى ليس مجرد زراعة أشجار، بل هو زراعة للأمل في نفوس الجزائريين. مبادرة “خضراء بإذن الله” تعلمنا أن الوطنية ليست شعارات رنانة، بل هي عمل دؤوب يُمارس بصمت (أو بصوت الطبيعة) لترك أرض أفضل للأجيال القادمة.

سيذكر التاريخ أن رجلاً واحداً، آمن بأن الجزائر ستكون خضراء، فكان له ما أراد.. بإذن الله وبسواعد لا تعرف الكلل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *